المشهد الثاني
انطلق نحو الشارع المزدحم بالجوعى ، زاد من خطواته ، هرول مثلما يهرولون ، انتهى به المطاف إلى نهاية الشارع ، تدافع المارجون ليتخذ كل منهم مكاناً مميزاً ، لم يستطع أن يفعل واكتفى فقط بالمشاهدة ، اتخذ مكانه في آخر الصف وهو على يقين أنه سيصل إلى الشُّباك قبل السابعة ، دفعه أحدهم من الخلف حتى كاد يطرحه على الأرض ، لم ينبس بكلمة واحدة ، نظر خلفه فوجد نفسه في منتصف الصف ، دفعه المتأخرون من الخلف ، ـ : رفقاً يا رجل لا تدفعني هكذا ! ، ـ أنا لم أدفعك بإرادتي ، الناس من خلفي هم الذين يدفعونني عليك ، أدار وجهه إليهم ، ـ : الرحمة بالضعيف أيها الناس تمهلوا فكٌلنا يود الوصول إلى الشٌّباك ، ـ : اصمت يا رجل ولا تثرثر كثيراً ، إلتزم الصمت ، تراجع المتقدمون إلى الوراء دفعوه إلى الخلف بقوة ، إلتزم الصمت وانتظر ، ارتفع صوت المؤذن بالنداء لصلاة الفجر ، لم يخرج أحد من الصف لتلبية النداء ، لم يحركوا ساكناً ، مرت الدقائق ثقيلة على صدورهم ، أشرقت الشمس والصف ما زال طويلاً كما كان وهو ما زال في المنتصف ، ترتفع أصواتهم ضجيجاً يملأ الشارع كلما دنت الشمس من رؤوسهم ، غطوا رؤوسهم بأوراق الجرائد المملوءة بالتصريحات الواهية عن الفكر الجديد وتحسين مستوى المعيشة ، غطى رأسه المنكسة بالتصريحات وراح يفكر في أولاده الصغار الذين ينتظرون عودته ، وزوجته الحمقاء كم ستوبخه أمام الجيران إذا ما آب بدون الطعام ، ورئيسه في العمل كم سيعاقبه إذا ما تأخر عن موعد بدء العمل في المصلحة ، كم هي الحياة قاسية وكم نحن رخيصين فيها ، رويداً رويداً تتوهج الشمس في كبد السماء ، وجرس ساعة اليد الرقمية يلفظ الساعات رويداً رويداً ، والصف ما زال طويلاً وما زال هو في المنتصف ، لكنه لم يلتزم الصمت هه المرة ، خرج عن صمته الصاخب ، وألقى بالصحيفة على الأرض ووطأ بقدميه فوق وجوه المسئولين في صدر الصحيفة ، علا صوته : اللعنة اللعنة ، خرج من منتصف الصف وانطلق إلى الأمام ، زاحمت كتفيه أكتاف العالقين بالشٌّباك ، دفعهم ودفعوه ، دفعهم وأمسك بقضبان الشٌّباك الحديدية ، لم يصدق نفسه ، وضع يده في جيبه ليخرج الجنيه
فلم يجد شيئاً .
فلم يجد شيئاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق